استيقظت ذات يوم على أوجاع تجتاح جسدى بأكمله مع عدم قدره على الحركه الا بصعوبه شديده ،أصر والدى أن نذهب الى المستشفى ليفحصنى الطبيب وكانت أوجاعى لاتسمح لى بالنزول من المنزل ولكن على مضض وافقت وتمالكت نفسى ونزلنا الى المستشفى
جلست فى مكان الانتظار مع الأخرين انتظارا لدورى فى الكشف وكنت لا أقوى على الحركه فجلست كدميه لاأتحرك ولا أتكلم بالرغم من أن لسانى لايعرف الصمت فى الأوقات العاديه وهذا مايجعلنى أندم كثيرا فى الكثير من المواقف الحياتيه
تمنيت لو أن أدخل للطبيب سريعا لأتخلص من أوجاعى وأن يصف لى دواءا سريعا قبل أى تحاليل أو فحوصات لان جسدى كان فى حاله من الالم الشديد
كانت جلستى بجانب سيده تشبهنى وأنا فى كامل صحتى حيث اللسان الذى لايعرف الصمت ولكن ولله الحمد تجاهلت هى وجودى بجانبها لأن مظهرى فى هذا اليوم كان لايوحى بأن حالتى تسمح بأى حوارات لاقليله ولاكثيره
وبدأ حوارها مع السيده التى بجانبها من الناحيه الاخرى و التى لاتعرفها أيضا ولكن الملل وطول وقت الانتظار يجعل المرأه لا تستطيع أن تتمالك نفسها وكأنها تخاف أن يلتصق لسانها بجدران فمها فلا تستطيع أن تتحدث لاحقا
كانت بدايه الحوار عن الطبيب وطول فتره فحصه لكل حاله على حده وأنها ملت من طول الانتظار وكنت أنا فى هذا الوقت اتمنى أن أطلب منها الصمت حيث أنى كنت مريضه ومتعبه الى درجه تجعلنى لا أستطيع أن استمع الى أى ضوضاء ولكنى لا أستطيع أن احجر على حق الأخرين فى الحوار لمجرد أنى مريضه فاخترت الصمت
واخذت الحوارات تزداد شيئا فشيئا فكلما بدأت لحظات الصمت تمر بين موضوع وأخر تبدأ أى سيده منهما طرف حديث جديد حتى لاينتهى الحوار
وبعد قليل مر من أمامنا شاب أنيق وسيم تظهر عليه ملامح المستوى الراقى ولكن اوجاعه كانت كبيره مثلى ظهرت على ملامح وجهه وشكل مشيته ،فلم تتركه السيدتان واختارا أسوأ مافيه (شبشب)كان يرتديه على ملابس يتضح اختيارها بعنايه وحتى الشبشب كان يتضح أنه ماركه وليس مجرد (شبشب حمام)
فقالت السيده الأولى للثانيه :(ايه ده جاى المستشفى بشبشب؟ )
فقالت لها الثانيه :(أجيال اليومين دول بتستسهل فى كل حاجه)
فقالت الأولى ممازحه الثانيه:(او يمكن جزمته نعلها اتقطع فاشترى شبشب من أى محل فى طريقه)
فبدأت الثانيه حوار مختلف تماما الا وهو أزمه (النعل)مع أحذيه ابنتها الصغيره التى لايدوم لها حذاء اكثر من اسبوع!!!
وانفتح باب جديد للحوار بينهما ...
فبدأت أشعر بالضحك من داخلى على حوار السيدتان بالرغم من أن وجهى كان لايستطيع أن يرسم هذه الملامح أبدا وانا فى هذه الحاله من الألم فالسيدتان يمتلكان روح مختلفه فى حوارهما وهى البحث عن أى حديث فى أى مكان ومن أى شىء ومن لاشىء
بدأت أشعر مع متابعتى لحديثهما أن أوجاعى بدأت تتلاشى شيئا فشيئا فحديثهما اصبح ممتعا لى حيث أنه لايخلو من المزاح والضحك والسخريه بين الحين والاخر من بعض المواقف الحياتيه
وجاء دورى أخيرا فى الدخول الى الطبيب وكنت امشى بشكل طبيعى الى حد كبير واختفت الألام قليلا من جسدى وحتى قدرتى على الكلام مع الطبيب للتحدث عن حالتى أصبحت طبيعيه بشكل كبير...كل ذلك بعكس لحظه نزولى من المنزل تماما
وأحالنى الطبيب للفحص بجهاز (السونار )فقابلتنى طبيبه السونار بابتسامه وسألتنى هل اكلتى شيئا اليوم قبل ان تأتى؟فأخبرتها أنى أكلت قطعه جبن صغيره فقط ...فمازحتنى بضحكه مشاكسه قائله كل من يأتى يأكل شيئا صغيرا فى نظره ولكنه ليس صغيرا فى نظر السونار
وسألتنى عن ما اشعر به فشرحت لها أماكن الالم فأخبرتنى بان الموضوع ليس كبير (من حيث خبرتها القديمه) وان الفحص سيؤكد ذلك
واخبرتنى أن الفحص لن يجدى اليوم ووصفت لى دواء (وهى مبتسمه وكأنى أختها أو أحد أقاربها)وبعض النصائح لعمل السونار باليوم التالى
فخرجت من حجره السونار سعيده بالرغم من أنه لم يحدث ما يجعلنى سعيده فالسونار تم تأجيله وعلاج حالتى لم احصل عليه بعد....وسألنى والدى ان كنت قادره على السير فأخبرته بأنى بصحه جيده واخذت امازحه قائله (انت ماشى معايا ليه أنت مش كنت بتقول هتروح تشترى حاجات؟روح اشترى حاجتك أنت فاكرنى تعبانه ولا تعبانه ولا أكونش تعبانه؟فقال لى والدى: (أه كده أنا اتأكدت انك كويسه)
وذهبت الى المنزل وانتظرت ثلاثه ايام حتى يأتى ميعادى مع الطبيب لأخذ له نتيجه الفحوصات (لم اشعر فى هذه الأيام بأى الم أو معاناه)بالرغم من ان حالتى يوم ذهبت للطبيب كانت تستدعى دواءا فى الحال وكنت لااتخيل أن أخرج من المستشفى الا بدواء واحد ليساعدنى على اتمام فحص السونار وهو دواء عادى ليس بمسكن أو معالج لحالتى
اكتشفت فى هذه الأوقات أن الألم الحقيقى هو الألم الذى نصوره لأنفسنا بالتوتر وتهويل الأشياء ليس فى المرض فقط ولكن فى كل شىء حولنا،خوفنا من المجهول يجعلنا نتألم أكثر لأننا نختزن برؤوسنا أفكار سوداويه قد تحدث لنا بالرغم من أنها لم تحدث بعد
فحينما بدأ الألم بشكل بسيط يسرى فى جسدى لم أفكر الا بمرض السرطان لأنه لم يكن يسبقه أى ارتفاع فى درجه حرارتى ولا ألم بحلقى وسرعان ما نمى هذا الاحساس بداخلى وكأنى طبيبه أحدد مرضى دون أدنى حاجه لاى طبيب او اى اجهزه وبالرغم من صغر سنى الا أن السرطان أصبح يأتى لمن هم فى مثل سنى ولم يعد مقيد بالاعمار الكبيره فتخيلت أنى مصابه به وأن العلاج يحتاج الى الكثير من الألم والصبر فازدادت أوجاعى الى الثلاثه أضعاف ولكن حينما نسيت المى وأفكارى حول مرضى ووضعت كل تركيزى مع أشياء أخرى وجدت نفسى أتخلص من رداء الألم شيئا فشيئا
فالسيدتان بخفه ظلهما وروحهما التى لاتعرف اليأس والبحث عن قتل الملل بكل الصور كانتا أول العوامل التى خلصتنى من أول جزء من المى
والطبيب ورائحه الأدويه جعلانى أشعربالأمان و بأنى فى أيد أمينه وأنه لن يتركنى أتألم دون ان يبذل قصارى جهده ليعالجنى
وطبيبه السونار بنبرتها التى تمتلىء بالحب وابتسامتها وطريقتها فى المزاح ومحاولتها تخفيف المى وتوترى وخوفى من المرض بكلمات بسيطه (ولكنها صادقه تدخل الى القلب)جعلتنى أتخلص من أخر رداء من الألم
فتأكدت حينها أن الطبيب فى عقولنا قبل أى شىء وأن الألم ماهو الا تركيز وانحياز لأن نتألم فنطلب المزيد من الألم وكأننا نريد أن نقول نحن لا نريد أن نتألم فيصورها عقلنا الباطن(أنا أريد المزيد من الألم)
هناك تعليقان (2):
صباح الخير روزا
ومقال رائع وجميل من قلمكم
وسلامتكم ألف سلامه
والوهم فينا بيعمل عمايله بوقت المرض
فممكن يحول وجع الاسنان إلى عملية قلب
لاسمح الله لذلك يجب ان لا نتمارض لأن
الاعراض الوهمية قد فعلا توصلنا لوضع سيء
ويجب ان نتفائل بالشفاء
سرني الصباح هنا
دمتم بكل ود
مساء الورد ريان
المرض يجعلنا نتوهم الكثير والكثير
فنزداد مرضا والما
أشكرك لمرورك الرقيق
لك كل الود
إرسال تعليق